ما حدث بمدينة الثورة.. أكبر من مجرد ضرب عجوز يحترف إطلاق النار

 

المصدر أونلاين – محمد الجماعي

عصر الأربعاء الماضي الموافق 27 إبريل خرجت مسيرة مليونية من ساحة التغيير تجوب صنعاء، تهتف رافضة لكل الحلول التي لا يكون في صدارتها رحيل الرئيس وأبنائه، غص شارع الستين الشمالي بالمحتجين، وتجنبا لخوض معركة مع قوات الأمن والحرس الجمهوري التي انتظرتهم في جولة عصر، قرر المتظاهرون أن يغيروا وجهتهم شمالا عبر باتجاه جولة عمران ومنها الى الحصبة ليعودوا إلى ساحة التغيير نقطة انطلاقهم.

في الطريق إلى الستين كان المطر قد بدأ بالهطول، وهو الجو الذي يبعث في نفوس الثوار رغبة في ترديد هتافات تنادي السماء من قبيل: “يا الله يا الله أسقط علي عبدالله”، وكان جنود الفرقة الأولى مدرع قد اتخذوا من المكان الذي قتل فيه زميلهم المقدم/ عبدالله الشرعبي قبيل جولة عمران على أيدي قوات النجدة الأسبوع قبل الماضي، مكانا لإحياء ذكراه في نفوس الأحرار مدنيين وعسكرين، كدلالة رمزية على سلمية المسيرة الثورية.

ليس في اليمن أحد ممتن لهذا النظام، كما عبرت عن ذلك هتافات وأصوات مختلف فئات الشعب في كافة المحافظات..

مرت المسيرة بسلام من أمام قوات النجدة التي لم تقم بنجدة الثوار حين خرج عليهم مليشيات صالح المعسكرين منذ فترة في مدينة الثورة الرياضية، خرجت مجاميع مدججة بالسلاح ومتعطشة لسفك الدماء، وراحوا يطلقون رصاص الغدر على شباب لا يملكون سلاحا سوى إيمانهم بضرورة التغيير وهتافات هزت عرش صالح.

هذه المجزرة تكفي لأن نرفع سقف مطالبنا الى المحاكمة والإعدام، لم يعد الرحيل فقط كافياً.. بهذه الكلمات حدث أحد الواقفين بجانبي نفسه ونحن نرقب مشهد انهمار الرصاص على المتظاهرين من كل اتجاه، وقد تميزت هذه المجزرة بذخيرة الرصاص المصنوع خصيصا للقوات الخاصة.

أي مشهد أشد فضاعة كما يقول إبراهيم الخولاني (أحد المتظاهرين) من أن تحدث مجزرة كتلك أمام سمع وبصر النجدة الذين كانوا خلف المسيرة، وأفراد معسكر التلفزيون الذين كانوا بالمئات يتفرجون على المسيرة من الأمام، حيث يعتلون التلة المقابلة للمدينة الرياضية دون أن يحركوا ساكنا. فيما كان بلاطجة الفضائية اليمنية يستندون إلى كاميرات عدساتها أشبه بفوهات المدافع، لا لتغطية الخبر في أسوأ الأحوال، بل لتبرير الجريمة، وهو في نظر الإعلامي الحقوقي صالح الصريمي أشد جرما من القتل المباشر.

هذه المرة.. لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، لا غازات، لا مسيلات للدموع، لا مياه حارة. رصاص فقط وحجارة ومولوتوف حارق وجنابي، ولمدة ساعتين، كانت بالكاد تكفي لمرور مسيرة بحجم مسيرة ذلك الأربعاء الموافق 27 أبريل 2011م. قال الزميل توفيق السامعي أحد الذين حضروا كل المسيرات إنها كانت الأكبر على الإطلاق في تاريخ اليمن.

أنت متظاهر، إذن أنت مستهدف، كان الكل يشعرون بذلك، محمد يحي (من بني حشيش) أكب على الأرض وتناول شيئا من التراب تيمم به استعداد للموت، كما قال لي. وكان العشرات يستعدون للموت كل على طريقته، التوجه نحو القبلة والسجود الطويل في وجه الموت الزؤام، النطق بالشهادتين، الاتصال بالأهل، وغيرها من المشاهد القوية والمحزنة التي رصدتها كصحفي وعشتها كشاهد عيان في آن واحد.

أمام ذلك الزخم المميت من الرصاص تصدت مجموعة من الشباب بصدورهم العارية، وقاموا بمجرد إلهاء البلاطجة، ليس إلا. وبذلك تمكن الثوار من مواصلة المسيرة بعد أن كانت قد منعت من السير، وشرب البلاطجة من دماء شبابها العزل.

في المكان ذاته هجم على المتظاهرين شيخ مسن لكنه يجيد القتل بدم بارد، كان يضرب بمسدسه يمينا وشمالا ليوزع الموت دون انتقاء قبل أن يتمكن اثنان من الشبان من القبض عليه وتسليمه للجنة النظام خوفا من أن يقتله الذين دفعوا به، ويلقى باللائمة على أصحاب المسيرة، بحسب مصدر في لجنة النظام.

حوالي نصف كيلو أو أكثر، مشى المتظاهرون خافضي رؤوسهم، كوسيلة وحيدة لتحاشي عشوائية الرصاص والحجارة من جهة، والقنص المنظم من جهة أخرى. أحد الشجعان كان يستفز الجميع بتبختره وسط الرصاص، وزاد فصاح في الجموع ارفعوا رؤوسكم وامشوا ببطء حتى لا يفرح البلاطجة. وأضاف بعد أن رفعت رأسي لأرمقه من بعيد أو لعلي ألتقط له صورة أخلد بها منظرا نادرا لا يمكن للكلمات أن تنقله. كان قد أعطانا ظهره أثناء محاولتي رفع رأسي ورفع الكاميرا ثم تشغيلها وأخذ لقطتين فقط، سأبقى فخورا بهما، وبعدم خوفي من بعض الرصاصات التي اخترقت الباب الحديدي الذي كان خلفي.

هناك من استفز الجميع في ثوريتهم، فمنعهم من الوقوف والتصدي للبلاطجة الذين تراجعوا للاحتماء بسور المدينة الرياضية، واستأنفوا إطلاق الرصاص على الشباب المسلحين بقطع من البصل وقليل من الخل والبيبسي والكمامات، وكثير من العزم والتصميم على إتمام المهمة، كان المنع يهدف إلى ضمان سلاسة مرور المسيرة، وعدم تعطيل ثلثي المسيرة التي كانت لا تزال في الخلف، وغير آبهين بأصوات الرصاص ولا مناظر الشهداء وسيارات الإسعاف وحركة الدراجات النارية العائدة إلى المستشفى الميداني بساحة التغيير على بعد عشرة كيلو متر على أقل تقدير.

مع وصول مقدمة المسيرة إلى أمام مبنى التلفزيون كان إعلاميون (من أصل بلطجي) يصورون ليزيفوا، وينقلون ليحرفوا، فكروا ثم قدروا فخرجوا بهذه الحصيلة: المتظاهرون يحاولون اقتحام مدينة الثورة الرياضية!! بمن فيهم الرئيس صالح لتلفزيون روسيا اليوم، لا مناظر القتل أثرت عليهم ولا الدماء أعادتهم إلى إنسانيتهم، كان مبنى التلفزيون بالمعسكر الذي كلف بحمايته لا يمكن أن يصمد لحظة لو وجه الشباب له صيحة مليونية من صيحاتهم، لكنهم لم يفعلوها.

وبحسب مصادر إعلامية وميدانية فإن مخططا ماكرا كان موجها لمسيرة الشباب في ذلك الشارع، وضعت منذ فترة وجهز لها البلاطجة وسمنوا بأموال الشعب لقتل الشعب الحر، ولإرسال رسالة مفادها أن صنعاء ستكون نهبا للأفراد الذي بالكاد قام جليدان ومن معه بتجميعهم والمكوث إلى جوارهم زمنا، بحسب مصادر قبلية، وهي في هذا التوقيت فخ لأحزاب اللقاء المشترك وشركائهم لدفعهم إلى رفض المبادرة الخليجية التي كانت الموافقة عليها من وجهة نظر المشترك وشركائه كمينا أفقد صالح وزمرته البعد الخارجي والإقليمي.

مصادر ميدانية تحدثت عن وقوع جرائم لا تقل عن جرائم القتل، وهي جرائم اختطاف المصابين ومنع سيارات الإسعاف ومنع وصول الناس إليهم، وذكرت بعض المصادر أن أكثر من 80 مصابا على الأقل اختطفوا من أمام مدينة الثورة الرياضية على يد قوات الحرس الجمهوري التي تسللت إلى مؤخرة المسيرة.

 ترى أين يقف مد الشباب وإلى متى يظل منسوب صبرهم متوازنا، بعد أن طافت مسيراتهم صنعاء شمالا وغربا، بانتظار الزحف إلى الجنوب حيث يشمخ دار الرئاسة بانتظار السكان الأصليين، حسب تعبير أحد الكتاب!؟

 الجيش يدين
من جهة أخرى وعلى صعيد ردود الأفعال إزاء هذه المجازر، حمل اللواء الركن “علي محسن صالح”، قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية علي عبدالله صالح مسؤولية المجازر التي تستهدف المعتصمين السلميين والتي خلفت المئات من الشهداء وآلاف الجرحى آخرها تلك المجزرة في المدينة الرياضية.

 وعبر في بيان له عن استنكاره وتنديده للممارسات الوحشية والمجازر البشعة التي يرتكبها النظام وبلاطجته بحق المتظاهرين السلميين العزل المطالبين بالتغيير.

إعداد ملفات للقتلة تمهيدا لمحاكمتهم
وفي سياق متصل أكد شباب الثورة في ساحة التغيير عزمهم على ملاحقة مرتكبي مجزرة الأربعاء الماضي أمام الصالة الرياضية بصنعاء قضائياً حتى ينالوا جزائهم العادل وينفذ فيهم حكم الله.

وقالوا إنهم يعدون حالياً ملفات من ثبت تورطهم بالأدلة والبراهين في ارتكاب هذه الجريمة على أن تسلم هذه الملفات للفريق القانوني بساحة التغيير حتى يبدأ بإجراءات رفع دعوى قضائية ضد هؤلاء القتلة.

وكان شهود عيان قد أكدوا في وقت سابق أنهم رأوا بعض بلاطجة النظام من المشائخ والقيادات يشرفون بأنفسهم على عملية القتل المنظم للمتظاهرين السلميين مساء الأربعاء بينهم النائب يحيى القاضي من بني حشيش والشيخ جليدان محمود جليدان والنائب أحمد العقاري وعلي سنان الغولي من محافظة عمران، ومحمد عبده مراد، وآخرون.

1 responses to “ما حدث بمدينة الثورة.. أكبر من مجرد ضرب عجوز يحترف إطلاق النار

أضف تعليق