من أرشيف الذاكرة .. للمتباكين على الماضي .. فقدان بوصلة المستقبل

من أرشيف الذاكرة .. للمتباكين على الماضي .. فقدان بوصلة المستقبل

– الحقيقة أحيانا تكون قاسية، إلا حيال من يبحث عنها، أو حيال الأحرار الذين يحبونها، أو كما قال الفيلسوف الإسباني “جورج سانتيانا” بالإمكان أن نحبها رغم قسوتها، و هي تجعل من يحبونها أحرارا..

– تبعات كشف الحقيقة في مواجهة المسلمات أو حتى ما دونها، غالبا ما تكون ثقيلة و مُكلِفة، أما بسبب جهل المجتمع، أو السلطة المستبدة، أو بسبب حمق و تعصب و تطرف أعداءها أيً كانوا، لكن يظل المستقبل حليف الحقيقة مهما كانت قاسية، و به تنتصر بعد قمع و ارهاب، أو بعد غياب و فقدان..

– كثير مما نشاهده اليوم من حرب و خراب، يجعلنا نبحث عن عزاء له في الماضي، و نُشغل أنفسنا و غيرنا في الحنين إليه و التحسُّر عليه، أو كما قال أحدهم: “نحن نحب الماضي لأنه ذهب، و لو عاد لكرهناه”، فيما يرى آخر أن الماضي هو “قوت الأموات، أما الحاضر فيصنعه الأحياء”، و يدعونا ثالث إلى المستقبل من خلال الحاضر بقوله: “لو ان ما فعلته بالأمس يبدو عظيماً، فهذا يعني انك لم تفعل شيئاً اليوم”.

– و لذلك فاللازم أن نفعل شيئا في حاضرنا من أجل المستقبل، بدلا من المراوحة في نفس المكان دون فعل شيء، أو فعل شيء و لكنه ليس للمستقبل، بل للماضي، و التغنّي به، و حشد الطاقات و الامكانات للعودة إليه، أو حتى الانكفاء و الحسرة و البكاء عليه.

– هناك من يستنجد بالماضي ليس من أجل المستقبل، و لكن من أجل العودة لمجده الغابر، و السير بنا في طريق مُهلك، نحو عهده الظلامي البائد، ركضا و هرولة تقطع الأنفاس، و يزعم أنه ذاهب نحو مستقبل العزة و الكرامة و السؤدد، لنجد أنفسنا و قد فقدنا ما بقي لنا من عزة و كرامة و حياة..

– و آخر يريد العودة إلى الماضي القريب و الذي لا يزال عالق به و يحن إليه، و يزعم أنه الطريق القويم لمستقبل مشرق، فيما هو يقودنا إلى حقبة كانت هي الأخرى ظالمة، و شاركت أفعالا و شخوصا، في صنع هذا الواقع المرير، و البؤس العريض، و الحرب الكارثة، و ويلاتها التي لن تنتهي قبل رحيل جيلين أو ثلاثة أجيال قادمة..

– من هو الزنداني و من هو علي محسن و من هو اليدومي و من هو هادي و من هو يحيي الراعي و من هم مشايخ حاشد و بكيل، و من هو رشاد العليمي، و غيرهم، إن لم يكونوا جميعهم أركان النظام السابق المنقسم على بعضه، مضافا إليهم خصومهم الجدد الذين صنعوهم في السابق خلال ستة حروب، و تحالف بعضهم معهم، ثم انقلبوا على تحالفهم أو أنقلب بعضهم على بعض، لنجد أنفسنا في المحصلة أمام استحقاقات حرب كارثية، وخيمة النتائج، ستنتهي بتسلم الجميع لأرضنا و يمننا و ثرواتنا و وحدتنا و شعبنا لأعدائنا التاريخين، وكلاء الاستعمار القديم و الجديد، ثم للاستعمار نفسه و لمصالحه و أجندته، و لواقع كارثي نحتاج مائة سنة قادمة للتعافي منه، و الخلاص من ربقته، و تجاوز آثاره إن أسلمنا إليه مصيرنا و مستقبلنا.

– من فادح الخطاء أن نعطي لأحد منهم فرصة ثانية؛ لأن اعطاءه هذه الفرصة ستكون كتلك التي قال عنها نجيب محفوظ رصاصة اضافية .. فما بال الحال و قد سلّمونا للمرمى و للجراح الكثار..

– ذروة الألم كما قال “أندري تاركوفسكي” هي أن تجرح في كل مكان و لا تدري أي جرح تبكي .. فما بالنا و قد أصابنا كل من تسلط و حكم، في مقتل و مكين، و برصاصات كثار، و لم يعد في القلب كما قال محمود درويش مكان أو متسع لرصاصة أخرى..

– يجب أن لا نسلّم رقابنا و عقولنا لهذا أو ذاك، أو نفوض أمرنا لأي منهم، بمزعوم مستقبل هم لا يعرفوه، و لو كانوا عرفوه ما تركوه عنّا يذهب و يغيب، أو كانوا أدركوه فيما مضى من أمسنا الماضي القريب أو البعيد .. لقد أنطبق على حال هذه البلاد قول شاعرنا الكبير عبد الله البردوني:

بلادي من يدي طاغ, إلى أطغى إلى أجفى

– جزء مما نكرهه اليوم، هم من بذروه و من زرعوه في أمسنا الأليم، الذي يريدوه أن يسموه في غفلة منّا تاريخنا العظيم .. إن “من زرع الشوك لا يجني العنب” فما بال و قد جنينا و شعبنا حرب و كارثة، حصادا مُر لما بذروه و ما زرعوه .. أي غباء و أي حماقة هذه حين نطالب أن يعود من صنع هذه الحرب و الكارثة ليحكمنا مرة أخرى بعد أن صيّرنا أشلاء و نثار و بقايا..

– ما ينبغي علينا اليوم إدراكه هو أن الحاضر غير مقطوع الصلة عن الماضي، بل هو امتدادا له بصورة أو أخرى، و الفساد و الظلم و التسلط الذي أُطلقنا عقاله في الأمس، نعاني اليوم من تغوله و توحشه مكرسا بالسلطة و الغلبة، بل و بالطغيان أيضا.

– الحرب التي تدمرنا اليوم هي بصورة أو بأخرى واحدة من مخرجات فساد و ظلم و تسلط ساد في الأمس، كما أن استمرار الحرب اليوم ليس معزولا عن فساد اليوم و الأمس .. إنه الحصاد المر لفساد مستمر و مجمول فيه الفساد السياسي و الاقتصادي و الإداري و الحقوقي و القيمي .. هذا الفساد صار اليوم يفعل كل شيء، و ينفذ أي شيء على حساب الوطن، ليستبقي نفسه، حتى صار أداه فاعلة وكارثية، يستخدمها الاحتلال و العدوان في تنفيذ أجندته و اطماعه في اليمن، و ضدا من مصالح شعبنا حاضرا و مستقبلا.

– فشلنا في الأمس على نحو ذريع في مقاومته كما كان يجب و ينبغي، و لازلنا نفشل اليوم في ايقافه بعد تغوله و توحشه .. هذه الحرب المدمرة و المُهلكة التي نراها اليوم هي بصورة أو بأخرى واحدة من نتائج الفساد و الظلم، و أيلولة مساراته الكارثية..

– هذا لا يعني التقليل من فساد الحاضر، بإلقاء اللائمة على فساد الماضي؛ فالحاضر أيضا مسؤول على نحو مضاعف، و لكن دون أن نبرئ الماضي أو نعطيه المجد الزائف، حتى لا نجد أنفسنا ليس فقط غير مدركين ما حدث، بل حتى لا نعيد انتاج الماضي و خيباته مرة أخرى، بدلا من البحث عن المستقبل الذي نريد .. أو كما قال كارل ماركس حتى لا يعيد التاريخ نفسه مرتين، الأولي كمأساة و الثانية كملهاة..

– ليس من مصلحتنا أن نتجاهل عِبَر و عضات الماضي، أو كما قال: سورين كيركغارد : “لا يمكن أن نفهم الحياة إلا بالرجوع الى الوراء, و لكن لا يمكن أن نحيا الحياة إلا بالتقدم للأمام” .. كما لا يمكن أن نعيش بذاكرة مثقوبة، و لا نتذكر ما حدث في الماضي، حتى لا نكون من أولئك الذي تحدث عنهم جورج سانتيانا عندما قال: “الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته” هذا يعني يجب أن نتعظ من الماضي حتى لا تتكرر خيباته، و نعتاد عليها .. يجب أن نغادر الخيبات، و نبحث عن المستقبل، بدلا أن نظل أسرى لخيبات الماضي و الحاضر، و المراوحة في المكان الخطاء دون مغادرة..

– التفاتتنا للماضي أو دراسته يأتي فقط في اطار أهمية فهم و إدراك ما حدث، ثم الاستفادة و الخبرة و الاتعاظ المفيد عملا بنصيحة من قال: “اجعل التاريخ مستشارك الحكيم” و إعمالا بنصيحة من قال: “دراسة الماضي مهم لمن يريد التخطيط للمستقبل” و المستقبل كما قال آخر: “ينتمي الى هؤلاء الذين يعدون له اليوم”.

– و في أطار قراءة و استقراء الماضي و إدراك ما أل إليه نقول: برلمان دام أكثر من عمره الافتراضي مرتين و ثلاث، و لم يسحب مرة واحدة الثقة من أي حكومة أو حتى من أي وزير فيها، رغم الفساد المهول، و فساد الحكومات المتعاقبة، و الفساد المروّع و الشامل للمجمل و التفاصيل في شتى مناحي الحياة .. كل هذا يعني أن هذا المجلس، فاسد و مفسد و مشرع للفساد .. فما الذي سيصنعه إن عاد .. إنه جزء من منظومة حكم فاسدة، مسؤولة على نحو أو آخر عمّا وصلنا إليه اليوم من حرب و فساد و دمار و خراب .. و لو كان لدينا برلمان محترم أو حتى نصف محترم لأخرج البلاد إلى طريق من أول أزمة، و أول يوم، و من أول تحدّي، و لكن “فاقد الشيء لا يعطيه”.

– قبل نهاية كل عام كانت تتقدم الحكومة بطلب اعتماد إضافي لميزانيتها أشترط القانون لإجازته أن يكون في أضيق الحدود، فبدأ في عام2003 بـ 90 مليار ريال، و صعد في العام 2004 إلى 188 مليار ريال، و قفز في العام 2005 إلى 451 مليار ريال، ليبلغ أكثر من الموازنة المقرة من البرلمان، أو ما يفوق نسبته 50% من الميزانية العامة .. و صار على خلاف كل بلاد الدنيا لدينا ميزانيتان في العام يقرهما البرلمان، و للفساد منهما نصيبه الأكبر .. هكذا بدأ الفساد و الخراب يتضاعف و يزداد لينتهي بالحرب، و بدون موازنة أو حساب أو مراجعة..

– ليس مصادفة أن ترى في الماضي القريب رؤساء ثلاث كتل برلمانية هي كتلة المؤتمر، و كتلة حزب الإصلاح، و كتلة الحزب الناصري، في لجنة الحريات و حقوق الإنسان في المجلس .. الأول يمثل الحزب الحاكم، و الثاني يمثل شريكه في القمع و الحرب على الجنوب، و الثالث ناصري كان يرى في وزير الداخلية رشاد العليمي الأقرب إلى حزبه و نصرته .. ثم تتفاجأ أن رؤساء الكتل هم الأكثر غيابا في اجتماعات اللجنة، و مسؤولين بوجه أو بآخر عن تعطيلها أو باستمرار ذلك التعطيل..

– ليس هذا فقط، بل و تصطدم برئيس المجلس الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، و نائبه الشيخ يحيي الراعي، باعتبارهما المرجعية الأولى للجنة، حيث و بأيديهم زمام الشؤون المالية للمجلس و اللجان، و بيدهم التحكم في تسير أعمال اللجنة و أنشطتها و نزولها الميداني، من خلال الجانب المالي الذين يمسكونه بيديه و تلابيبه، و بدلا من أن يكونا رئيس المجلس و نائبه ضمانا لدعم الحقوق و الحريات، نجدهما ضمانا لتعطيلها..

– كيف يمكن بعد هذا، أن تطلب من المجلس تقارير و توصيات تؤدي إلى اغلاق أو متابعة اغلاق السجون الخاصة بالمشايخ و هم جزء منهم، أو أن يحيل مجلس المشايخ شاعر الرئيس و شيخ الجعاشن لجهات الضبط و التحقيق فيما أرتكبه من جرائم بحق “رعيته” من المواطنين..! إن كل هذا بالتأكيد ليس مصادفة، بل هو تكوين و تركيبة نظام الحكم الذي كان سائدا و الذي لازال هناك من يفكر في العودة إليه خلاصا من الحاضر..

– ليس هذا فحسب، بل و أيضا تسدي رئاسة لجنة الحريات و حقوق الإنسان لشيخ قبلي، ثم تجعل نجل وزير الداخلية و نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن، نائبا لرئيس اللجنة، و تجعل اللجنة بأغلب أعضاءها الـ”16″ من المشايخ و ضباط الأمن، ثم تطلب من الأبن مساءلة والده أمام البرلمان، بشأن انتهاكات أجهزة الأمن للحقوق و الحريات، المسؤول عنها والده، و تطلب من اللجنة رعاية و حماية تلك الحقوق و الحريات .. هذا ضرب من العته و الخيال و الإغراق في اللامنطقي و اللامعقول .. و بعد كل هذا تأتي اليوم لتطالب بعودة الماضي، و تبكي و تحن عليه، متناسيا إن هذا الماضي شريكا في صنع هذا الحاضر، من حيث الواقع بل و من حيث شخوصه أيضا.

– أوردت يومها و تحدثت عن هذا و غيره، و حذرت من مخاطر استمراره في حوار أجرته معي مجلة “نوافذ” في ديسمبر 2005 و اعادت نشره صحيفة المستقلة في عددها رقم “16” الصادر في 1 يناير 2006 .. و إليكم نص هذا الحوار:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حوار مع النائب أحمد سيف حاشد لمجلة نوافذ

لم أقف يوماً من الأيام ضد الشعب أو مع مسألة تلقي بأعباء على كاهله!!

في حواره مع مجلة نوافذ تحدث النائب المستقل أحمد سيف حاشد عضو لجنة الحقوق والحريات إلى الزميل عيدي المنيفي عن العديد من قضايا الفساد التي تمررها الحكومة عبر البرلمان وعن تشريعات تنتهك الحقوق والحريات وغير ذلك من القضايا فإلى نص الحوار:

بداية لو تعطونا شرحا موجزا عن ترشيحكم في الدائرة(70) كمستقل وفوزكم على بقية المرشحين من الأحزاب؟

– الترشح كمستقل يكون أكثر صعوبة لاسيما في ظل منافسه شديدة ودعم مادي وحزبي مبكر يحصل عليه منافسوك ولا تحصل عليه أنت.. إن حال ونجاح المرشح المستقل في مثل هكذا ظروف تشبه ولاده متعسرة.. ومثلما تنتصر إرادة الحياة على الموت في الولادة المتعسرة ينتزع المستقل من مخالب فشل يبدو محققاً ويصير هذا النجاح بالنسبة للمستقل أكثر اشتهاء ومتعة ولذاذة..

وقد كان رهاني الأول منذ إعلان نيتي الترشح على المستقلين وقواعد الأحزاب الأخرى بشتى توجهاتها (اشتراكي ومؤتمر وبعث وناصريين) وقد ساندتني من البداية قواعد الحزب الاشتراكي ودعمتني كمستقل، غير أن قيادة الحزب رفضت دعمي فقررت خوض غمار المنافسة مع مرشح الحزب..

كما أن قواعد المؤتمر وبعض قيادتها الوسطية أزرتني حتى في ظل وجود مرشح المؤتمر الذي أنسحب لصالحي بعد موعد الفترة المقررة لانسحاب المرشحين، كما ساندتني قواعد البعث وكثير من قواعد الناصريين.. كما استطعت بصعوبة أن أكسب أصوات قطاع من قواعد الإصلاح، وكان مرشح الإصلاح هو المنافس الرئيسي.. وكانت النتيجة بيني وبين مرشح الإصلاح لصالحي بفارق يزيد عن الفي صوت.

لماذا قرر المؤتمر ترك الفرصة لكم ودعمكم.. هل كان يعتقد أنكم ستنضمون إلى كتلته وخيبتم آماله في ذلك؟

كانت القيادات العليا للمؤتمر وبعض قيادتها الوسطية أكثر فطنة وقراءة للوضع الانتخابي من غيرها من الأحزاب؛ فقرر المؤتمر دعمي، وكنت ولازلت ممتناً لدعمه.

عموماً ترشحت مستقلاً واستمريت كذلك ولا زلت.. وانضمامي لأي حزب بعد نجاحي كمستقل ينطوي على خداع الناخب وقد رفضت كل الإغراءات الهادفة تغيير صفتي وانضمامي لأي حزب؛ لأن الواجب علي يحتم أن أبر بما قطعته على نفسي من عهد للناخبين وهو أن أظل مستقلاً..

هل أنت في البرلمان محسوب على أحد؟

– على المستقلين.. كنا أربعة عشر عضواً أنضم عشرة إلى المؤتمر وبقينا فقط أربعة مستقلين.

 من يرأس كتلة المستقلين؟

– الأخ علي عبد ربه القاضي

لو تحدثنا عن مسألة عملكم في البرلمان خلال السنوات الماضية شرعتم لكثير من القوانين، يعتقد الكثير من الناس أنها قيَدت الحرية وضيَقت على الهامش الديمقراطي في البلد ترى ما دوركم أنتم كمستقلين؟

– المستقلون بعد أن انحسروا من أربعة عشر إلى أربعة صار دورهم ضعيفا، وأنا كمستقل صعقت في أول يوم وصلت فيه المجلس وشاهدت كيفية تم انتخاب هيئة رئاسته ؛ كانت عندي صورة مخملية جميلة حول المجلس ولكن في أول يوم صعقت.. كان الإخراج سيئ لانتخاب هيئة رئاسة المجلس.

عملية الانتخاب إذا خالفت لائحة المجلس؟

– إن ما حدث في المجلس في أول يوم كان مريعاً… لا يخالف لائحة المجلس فحسب بل عبث باللائحة وبالتقاليد والأعراف البرلمانية جمعاً..

بالنسبة لقانون المسيرات والمظاهرات وقانون المبيعات وغيرها من القوانين يشعر ناخبوكم وعامة الشعب إنكم كنواب خيبتم آمالهم في سن مثل هذه القوانين، ماذا كان دوركم أنتم؟

– لنا دور وموقف من كل هذه القوانين التي تنتمي للعصور الوسطى.. نحن ضد هذه القوانين وغيرها وضد كل الإجراءات القمعية التي تضيق الحقوق وهامش الحريات وضد كل ما يمكن أن يلقي بأعباء جديدة على هذا الشعب المطحون بآلات صدئه كان قد صنعها ذات يوم دون تقدير لعواقب الأمور.

لماذا أنتم كمستقلين لم تنضموا إلى كتلة المعارضة إضافة إلى من ترون أنهم بالإمكان أن يقفوا معكم من أعضاء المؤتمر؟

– المعارضة أيضا ضعيفة ولا تتجاوز في أفضل حال الستين أو السبعين مقعدا.

ضعفها في قلتها أم في عدم أدائها؟

– في أدائها ولا سيما في كثير من اللجان على سبيل المثال لجنة الحريات وحقوق الإنسان لا نرى لها دوراً يذكر رغم أن رئيس كتلة الإصلاح وكتلة الناصري في هذه اللجنة..

رئيس كتلة الإصلاح حضر خلال مدة تقارب الثلاث سنوات الماضية اجتماعين أو ثلاثة، ورئيس كتلة الناصريين دوره في اللجنة أقل بكثير من دوره في المجلس.. أما رئيس كتلة المؤتمر الحاكم فلم يحضر غير اجتماع أو اجتماعين طيلة الفترة الماضية.

لماذا هذه اللجنة ضعيفة رغم أنه يفترض أن تكون من أنشط اللجان داخل المجلس؟ ومن أضعفها؟

– وجود خلل تكويني فيها.. فأغلب أعضاء اللجنة هم إما مشايخ وأما ضباط أمن.. كما أن كثير من أعضاء اللجنة لم يستوعبوا بعد قضايا الحريات وحقوق الإنسان فضلاً عن انشغال البعض الأخر في قضايا تجارة أو مقاولة أو متابعات قضاياهم الخاصة.. كما أن الإفساد السياسي يجلب الفساد على قضايا الحريات وحقوق الإنسان..

كم عدد أعضاء اللجنة ومن رئيسها؟

ستة عشر عضوا يرأسها الشيخ محمد ناجي الشائف والمقرر هو نجل وزير الداخلية رشاد العليمي .

الاستقالة التي قدمها فيصل أبوراس من البرلمان قال أن من ضمن الأسباب التي طرحها في استقالته أن هناك فساد كبير في الحكومة.. أنتم كأعضاء مجلس نواب لماذا وأنتم تعرفون هذا الكم الهائل من الفساد لا تعملون على سحب الثقة من الحكومة وتطرحون هذا الموضوع في المجلس؟

– المجلس ليس بمعزل عن هذا الفساد، وأنا أتفق تماماً مع الزميل فيصل أبو راس في كل ما طرحه.. إن أغلب أعضاء المجلس يدارون فساد الحكومة.. وعندما يصعق المجلس أمام قضية فساد كبيرة ويحتمش لا يزيد هذا الحمش عن يومين أو ثلاث حيث تجتمع كتلة الأغلبية ولا أدري ماذا يعملوا لها وماذا يحدث فيها!! ولكن أجد تحول وانقلاب حمشهم ومواقفهم ثلاثمائة وستين درجة.. أن ما يحدث في كتلة المؤتمر شيء خرافي لا أستطيع فهمه، ولا أستطيع أفهم أسبابه، ولا سيما عندما يكون هذا الانقلاب مريعاً.. نجدهم عند الحمش فيهم القاتل ألف والآسر ألف، ثم ما نلبث أن نراهم بعد اجتماع الكتلة كالمسطولين بصمة الواحد مثل دعسة الجمل.. إنه بالفعل شيء مريع.

وسحب الثقة من الحكومة أمر غير ممكن، بل ومستحيل، طالما حال كتلة الأغلبية على هذا القدر من الحال العضال. وما قة أننا لم نستطع أن نعمل شيئا كبيرا في هذا الموضوع، أو حتى موضوع سحب الثقة، على اعتبار أن هناك أغلبية، والأغلبية هي متحكمة، وجزء من الأغلبية هذه إلى حد ما لهم طروحات جيدة وبعض الأحيان وبعد كل موضوع فيما يخص سحب الثقة تجد أكثر أعضاء المجلس في عنفوان انفعالهم واستعدادهم سحب الثقة، ثم يذهبوا وتجتمع الكتلة .. كتلة أغلبية المؤتمر، ولا أدري ماذا يفعلوا لهم.. يحدث شيء خرافي فيعودوا هامدي الأعصاب، وتتغير الأحوال ونجد البعض ربما يضطر إلى مجاراة الكتلة حتى المتحفظين، وإذا شذ بعضهم فهم قليل.

تعتقد أن الحكومة تمارس عليهم ضغطا أم أن هناك أطرافاً أخرى؟

أكيد هناك مراكز قوى في الحكومة وجهات متنفذه تمارس عليهم ضغوطات، وللأسف الكثير من الأعضاء لا أدري أين يذهب ضميرهم عندما يعودوا وقد انقلب موقفهم رأسا على عقب.

بمعنى أنهم يخالفون وعودهم الانتخابية لناخبيهم؟

– أعتقد أن كثير من القضايا التي تمر تكون على حساب الناخبين.

قبل نهاية كل عام تتقدم الحكومة بطلب اعتماد إضافي لميزانيتها، وهذا العام طلبت ما نسبته 51% من الميزانية العامة أكثر من (451) مليار كيف تم تمرير مثل هذا الموضوع؟

– أنا تجربتي ثلاث سنوات وأفهم من خلال الدستور والقانون أنه يجب أن لا يتجاوز الاعتماد (10 %) من الموازنة العامة، وخلال الثلاث السنوات كان هناك تجاوزا لهذا النص الدستوري والقانوني من قبل الحكومة، وأيضا من قبل المجلس.. في أول سنة تم اعتماد قرابة (90) مليار تمت الموافقة عليها أيضا في ساعة، والآن تتجرأ الحكومة وتتقدم بطلب اعتماد (451) مليون ريال وقد مرر في المجلس.

أشعر أن المجلس غير جدير كمؤسسة حال كونه يرتكب خروقات كبيرة ويمرر قضايا بهذا الحجم تعد خرقا قانونيا فادحاً وهذا شيء فضيع ويدل على هشاشة وخواء المجلس ومدى تبعيته للحكومة وعدم قدرته على التصدي ومواجهة الحكومة ويعتبر هذا الدعم في جزء كبير منه دعم للفساد.. يفترض أن يكون للمجلس موقف ويحاسب الحكومة لا أن يمرر لها هذا الحجم من الفساد والعبث.

لماذا أنتم لا تتخذون موقفا.. لماذا لا نسمع أصواتكم ترتفع في هذا المجال على الأقل أثناء الجلسات حتى يسمع المشاهد للتلفزيون أو الناخب أن ثمة أصواتا تعترض على مثل هذا الفساد وهذا الطلب المبالغ فيه؟

نحن نطرح الكثير لكن الأغلبية تحسمه بالتصويت ويمر بسهولة مثل الماء، عندما تكون قضايا جوهرية وخطيرة بهذا الحجم وتمر وتشعر أن صوتك غير مسموع في المجلس، وأنه لا يمكن تغيير القرار الذي يمكن اتخاذه من قبل الأغلبية.. نشعر بإحباط شديد، ونشعر بأن أصواتنا لا تصل، ونشعر أننا في أمور مثل هذه مشلولي القدرة حيالها، لأننا محكومون بالأغلبية وبالتصويت، وهذه القضايا تمر بعجلة، وتمر بسهولة، وتكون الخروقات فضيعة إلى حد البشاعة.

لماذا لا تطرح بقوة مثل هذه القضايا من قبلكم أو تعلنون موقفا حيالها كمستقلين؟

– نحن في المجلس لنا مواقف وبيانات، لكنها تظل محدودة، ونظل محكومين بالأغلبية.

بمعنى أنه يظل خافتاً في ظل الأغلبية؟

– نعم.

أستاذ أحمد .. يظهر دوركم كمشرعين للقوانين ويختفي الدور الرقابي وتستطيعون كأعضاء لجنة الحقوق والحريات استدعاء الوزراء أو إسقاط الحكومة إذا أردتم لماذا يختفي دوركم الرقابي؟

– الدور التشريعي للمجلس يظل ضعيفاً، والدور الرقابي أكثر ضعفاً.. في مجال الدور التشريعي صنع المجلس تشريعات فيها من القيود والأصفاد أكثر من الحقوق والحريات.. وفيها من الثغرات أصغرها تسمح بمرور بعير.. كثير من اللجان التي تعد أو تناقش مشاريع القوانين لا تستعين بخبراء في التخصص المطلوب، والاعتبارات السياسية في كثير من النصوص كانت دستورية أو قانونية تخضع لتفصيلات سياسية أكثر من كونها نصوص تستوعب احتياجات الواقع وتطلعات المستقبل ..

الدور الرقابي للمجلس يقتله الفساد والإفساد.. توصيات المجلس على الموازنات والاعتمادات الإضافية نجدها تتكرر كل عام دون أن تعمل الحكومة بواحدة منها.. وتقارير اللجان إذا ما أشبعت الحكومة نقداً في الأخير يتم الموافقة على ما تطلبه الحكومة.. فضيحة النفط في القطاع (53) يفترض أن يكون من يقف وراء تلك الصفقة قد قالت فيه العدالة كلمتها غير أن الواقع شيء آخر تماماً…

مشروع قانون تنظيم وحيازة السلاح يؤجل من عام إلى آخر وكان يفترض أن يكون المجلس قد فرغ منه قبل أعوام وصعقنا ونحن نجد أكثر من (200) عضو يوقعون ضد إنزاله للقاعة أو مناقشته في المجلس.. وكتلة الأغلبية لا نعلم لماذا لا تريد هذا القانون، وما هو مصلحتها في تأخيره أو الوقوف ضده..

أليس لك تفسير معين بهذا الخصوص؟

  • بتقديري بعض أسباب ذلك ربما يرجع إلى تكوين هذا المجلس.. إنه مجلس أعيان ومشايخ وليس ممثلي لهذا الشعب.. إنه انعكاس لهذا الواقع الموبوء والمأزوم.

على ذكر مناقشة قانون السلاح.. ناقشتم الأسبوع الماضي قانون الإيجارات.. يأخذ البعض على أعضاء المجلس أن القانون السابق أو ما كان يعمل به كان أفضل مما شرعتم له لأنكم طرحتم وأقريتم أن يأخذ المؤجر تأمينا من المستأجر ألا تعتقدون أن هذا يضاعف العبء على المستأجرين؟

– بالتأكيد نحن لنا موقف ضد هذا القانون ولكن يبدو أن أغلب أعضاء مجلس النواب مؤجرون..

اسمح لي لو قسيت عليكم وقلت أن الشعب يتهمكم أنكم تخليتم عن قضاياهم وأصبحتم لا تفكرون إلا في قضاياكم الخاصة بمعنى أنكم أصدرتم قانونا لأنفسكم مثل تصعيد أنفسكم إلى درجة وزير بعد خروجكم من البرلمان كيف تردون؟

– لم أقف في يوم من الأيام ضد الشعب أو مع مسألة تلقي بأعباء على كاهله. ومع ذلك لماذا كل فساد الحكومة ومجلس النواب يمر تحت سمع وبصر القائمون على الأمر ولا يمر هذا الأمر.. نعم القائمين على الأمر لا يريدون نائبا قويا ومستقلا ومستقراً وضعه الاقتصادي، ولكنهم يريدون نائباً متسولاً يستجدي منهم دائماً حاجته.. يعيش وضعاً قلقا غير مستقر يخاف من المستقبل حتى الهلع ليكون مستعداً أن يبيع في أول فرصة ومن أول عرض.

ما هي الأسباب التي تمنع لجنة الحريات من إنجاز تقريرها ويمنع هيئة رئاسة مجلس النواب من مناقشة ظاهرة تهريب الأطفال؟

– يرى القائمون على الأمور أنه عار على اليمن أن تناقش قضايا تهريب الأطفال أو الزواج السياحي أو نحو ذلك خوفاً من (الشرشحة) واتقاء للعار وحتى لا يخدش حياء الناس وأنفة القبيلة..

قبل عام ونصف تقريباً زرتم كلجنة للحقوق والحريات بعض المحافظات وأنتم شخصياَ كتبتم حول معاناة النزلاء في السجون اليمنية وعلى ما أذكر أنكم قلتم إنها لا تصلح حتى زرائب للمواشي.. لماذا لا تقومون بزيارة أخرى حتى تتأكدون أن عملية إصلاح تمت للسجون؟

– لجنة الحقوق والحريات لجنة معاقة وكسيحة، ولم ترفع ما يجب أن ترفعه للمجلس من تقارير، وهيئة رئاسة المجلس تدعي نفاذ المخصصات المالية، وهو ما يثير السخرية والضحك، وشر البلية في بلد الأمان والإيمان ما يضحك.. وعندما تقدم عدد من أعضاء اللجنة وطلبنا النزول المجاني لزيارة السجون، والتزمنا شخصياً برفع تقرير عن زيارتنا لهيئة الرئاسة رفض طلبنا.. أظن أن هناك أسباباً أخرى غير معلنة هي التي تمنع هيئة الرئاسة السماح لنا بممارسة مهامنا، ومن ضمنها زيارتنا للسجون بما فيها سجون الأمن السياسي..

مشروع قانون الصحافة مثقل بالقيود والحراب!!:

تعرفون وتتابعون كثيراً من الانتهاكات التي تحدث للصحفيين من ضرب واعتقال وحبس ومصادرة حقوق وغيرها من الانتهاكات ما هو دوركم كأعضاء مجلس نواب وأعضاء في لجنة الحقوق والحريات لمنع حدوث مثل هذه الانتهاكات؟

– القائمون على لجنة الحريات وحقوق الإنسان دورهم صفر بحجم الكرة الأرضية حيال قضايا الصحفيين.. ولا يقبلون منا مناقشة أمور مثل تلك.. بل لم يقبل منا حتى الوقوف على شكوى أسرة صحفي منعت الداخلية زيارته..

سمعنا بعض النواب يطلب استدعاء وزير الداخلية لمناقشته حول الانتهاكات التي تحصل للصحفيين، هل لأن ابن وزير الداخلية مقرر لجنة الحقوق والحريات لا يتم استدعاء أبيه خشية من أن يتعرض للإحراج في المجلس؟

– هذا لا ينطبق على المجلس، ولكن يمكن أن ينطبق على لجنة الحقوق والحريات في المجلس، لوجود ابن وزير الداخلية مقرراً في اللجنة، ووجه الإحراج أن يستدعي الابن والده إلى اللجنة.

إذا عاد مشروع قانون الصحفيين إليكم من مجلس الشورى الذي أصدرته الحكومة ترى ماذا تحضرون لمناقشة هذا القانون؟

– نأمل أن لا يمر.. نحن وكثير من الزملاء سنقف ضده لأنه يمثل تراجعا مريعاً بل يلغي حتى هامش الحريات والحقوق الموجودة في القانون النافذ وهو مثقل بالقيود والحراب.

باعتباركم نائباً وصاحب صحيفة وتعملون في الجانب الصحفي أيضاً كيف تنظرون للعمل الصحفي؟

– هناك تضييق على الحقوق والحريات وهناك اعتداءات على الصحفيين ويفلت الجناة من أي مساءلة، وهناك خروقات وانتهاكات على الصحفيين والصحف من قبل أجهزة الحكومة ،مثل وزارة الداخلية ووزارة الإعلام.

سؤال أخير.. إذا ما رشح الرئيس علي عبد الله صالح نفسه للانتخابات القادمة، هل ستصوتون لمرشح اللقاء المشترك حتى يحصل على الـ (10%) ليستطيع منافسة الرئيس؟

– سنعمل كل ما يمكنه أن يعزز التوجه الديمقراطي في اليمن.